عندما قال ابن الجيران لابيه: ابوي الرجال ما ببكوا!!!
كنت هذه آخر كلمات الطفل عامر ابن الجيران ذو السبع سنوات وهم يغادرون مدينتنا الى الخرطوم.
الله!!! ما اجمل العشرة الطويلة بين الناس وما اتعسها من لحظات حينما نودعهم!!!
قبل ان ترحل هذه الاسرة بيوم واحد جاءني ربها وهو زميل دراسة وجاري في ذات الوقت حيث قال لي: غدا سوف نرحل الى الخرطوم باذن الله ، سالته مندهشا : لماذا؟ قال لي والاسى يعتصره: انه عامر فكما تعلم فإنه يعاني من مرض الازمة وكل محاولاتنا للاستقرار هنا باءت بالفشل فكل شهر لابد لنا من مراجعة الطبيب في الخرطوم وتغيير الجو وبيني وبينك فإن صحته النفسية تتحسن كلما ذهبت به الى الخرطوم حتى انه ينام افضل من هنا وتنفسه طبيعي جدا!!! لذا ومن اجل هذا الظرف راينا انا ووالدته الرحيل الى الخرطوم.
انظروا معي الى قلب الاب!!! وما تحمله هذه الكلمات من عمق عاطفة الابوة الحقة وما يعانيه هذا الاب من الالام وهو يحترق لوعة على مرض هذا الصبي.
انه امتحان عسير ولكن ماذا نصنع امام ارادة الخالق عز وجل؟؟؟
وجاءت لحظات الوداع حيث وصلت العربة التي ستحملهم الى الخرطوم بدءوا بتحميلها بالعفش وكل قطعة اثاث تحكي قصة وذكريات شهدوها مع الجيران الذين اصطفوا لوداعهم والدموع تملا المآقي !! كيف لا فكما قال مغنينا علي ابراهيم اللحو ( حليل العشرة ما بتهون علي الناس البعزوها) .
الكل كان ينظر الى عامر وبراءة الطفولة تشع من ابتسامته وكأنه يجامل اباه الذي انفجر باكيا في تلك اللحظات وعامر يمسك بيده ويقول له: ابوي الرجال ما ببكوا!!! فحمله بين ذراعيه ليجلسه على مقعد السيارة التي انطلقت بعدما ودعوا كل الجيران والالسنة تلهج بالدعاء كي يشفي هذا الصبي من هذا الداء الفتاك حتى توارت العربة عن الانظار وعاد الكل الى منازلهم.
نعم الرجال لا يبكون!!! ولكن متى يبكون؟؟؟ فعندما يبكي الرجل يكون قد فقد كل السبل لمنع دموعه من الانهمار وليس هذا لتحجر القلب او قساوته او تجرد من العاطفة لا ولكن لأن هذه ميزة خص بها الله الرجال فهي نعمة ولكن البعض يرى انها سالبة بحسابات العاطفة.
عدت لأدون هذه القصة وقلبي وقلمي يعتصرهما الالم وكل الامنيات ان يكتب الله لهذه الاسرة ان تنعم بوافر الصحة وان يرعى كل الاطفال تلكم الملائكة التي تمشي على الارض تنثر الفرح في الوجوه العابسة وتبعث السعادة والاشراق في جنبات واركان كل بيت.
ويا ربي ما تحرم بيت من الاطفال