ثريا الشيخ ابوبكر باحثة في مجال التراث الموسيقي في بلادنا، تخرجت في كلية الموسيقى والدراما "معهد الموسيقى والدراما سابقاً" ونالت الدبلوم العالي في الفلكلور من معهد الدراسات الافريقية والآسيوية، كما نالت ماجستيرا في الآلات الموسيقية الشعبية وتحديداً الآلات الإيقاعية وهي عضو في الفرقة القومية للآلات الشعبية، فرقة البالمبو، اتحاد المهن الموسيقية وعضو نادي اصدقاء البابطين الثقافي. وفي هذا الحوار تحدثت لنا عن الآلات الموسيقية الايقاعية في تراثنا بالتركيز على الدلوكة :
*كيف تخصصت في الآلات الشعبية وأنت خريجة متخصصة في آلة غربية؟
عندما كنت طالبة تم اختياري ضمن كورال الفرقة القومية للموسيقى، وعندما انشئت الفرقة القومية للآلات الشعبية، كنت ضمن الكورال الذي ينتمي إليها، وفي احد الأيام غاب عازف الدنب، فاشتغلت دنب، بعد ذلك عزفت "دنقر "، هذه المواقف شدتني للآلات الشعبية وقمت بتحضير رسالة الماجستير في التراث، وكان موضوعي حول الآلات الايقاعية نحاس، دنقر، طمبور والجانب الايقاعي فيه. وأهم ما يميز هذه الالآت الايقاعية هو "الثراء " خذ الدلوكة كمثال، فهي تهز وجدان كل سوداني، وعموماً فإن الآلات الايقاعية السودانية متداخلة في عملها، نجد الدلوكة مع الشتم مع الدنقر "في دق الريحة " هذا التداخل الايقاعي يعطي موسيقانا تميزاً واضح "ايقاع سيمفوني ".
والدلوكة موجودة في كل مناطق السودان في الشمال والوسط والشرق وهي الدلوكة المعروفة. أما في الشرق والجنوب فيطلق عليها النقارة، والنقارة قريبة من الدلوكة وتختلف في كونها مصنوعة من الخشب بخلاف الدلوكة التي تُصنع من الفخار.
والشعب السوداني يحب التقليد وينبهر بكل ماهو غربي، لكن الواقع الوجداني للشعب السوداني يشير إلى ان الآلات الايقاعية الشعبية لها تأثير واضح في نفوس المستمعين، اذا عزفنا دلوكة – مثلا – وكمنجة نجد تأثير الدلوكة اكبر على وجدان المتلقي السوداني.
*لماذا ارتبطت "الدلوكة " بالمرأة ؟
الدلوكة في الأصل آلة نسوية بحتة نجدها تستخدم في العديد من الطقوس الشعبية المرتبطة بالمرأة مثل "دق الريحة "، "الحنة " والجرتق، طقوس السيرة المختلفة، ويستخدم الدنقر في المناحة في شمال السودان ووسطه، وبعض القبائل تستخدم النحاس في المناحة.
وارتبطت الدلوكة "بالتم تم "، والدلوكة آلة لصيقة جدا ً بالمرأة، "مافي بيت سوداني ما دقّت فيهو الدلوكة" ونسبة لارتباط المرأة الاجتماعي في الأفراح والاتراح فقد كانت الدلوكة هي الآلة التي تعّبر عن الاحاسيس السودانية.
*ما هي المشاكل التي تواجه البحث العلمي في مجال التراث ؟
للأسف الشديد، لا يوجد اهتمام بالبحث العلمي في هذا البلد، فالبحوث التي نراها الآن هي عبارة عن مجهودات شخصية وتطلعات ذاتية واكبر عقبة تواجه الباحثين هي وسيلة المواصلات، فالسودان بلد شاسع وكبير ويحتاج الباحث للمال حتى يتغلب على العقبات التي تصادفه، وللأسف الشديد لا يوجد دعم للباحث، لا من وزارة التعليم العالي ولا من الوزارات ذات الصلة بالبحوث، مثل وزارة الثقافة على سبيل المثال.
*ظاهرة العازفات التي انتشرت في الآونة الأخيرة..ماهي أسبابها؟
هذه ليست ظاهرة، فالكلية عمرها طويل، أكثر من أربعين عاما، والكلية خرجت العديد من العازفات، وبالعكس، فأنا أرى أن عدد العازفات لا يتناسب مع الكم الهائل للنساء المبدعات في مجال الموسيقى، وسبق أن تم تكوين الفرقة النسوية لكنها توقفت وكانت تضم 46 عازفة.. الآن لا نرى سوى أربع أو خمس عازفات كمنجة وبعض العازفات للآلات الأخرى.
*كثرت الفرق التي تقدم عرضا موسيقيا متشابها الى ماذا يعزى ذلك؟
فرقة البالمبو كانت في الأصل ضمن الفرقة القومية للموسيقى والآلات الشعبية، اختلفنا مع المدير وخرجنا نحن سبعة افراد وكونا فرقة البالمبو، وكانت جيدة، لكن الفكرة لم تستمر، لاننا لم نضف شيئاً جديداً سرنا على نفس النسق، ثم اختلفنا نحن وخرجت من فرقة نجوم البالمبو ولم نضف شيئا ً جديدا ًومنها خرجت فرقة رنين البالمبو، وهكذا فإن ظاهرة الاستنساخ لازمت هذه الفرقة منذ تأسيسها الأول، "ما في زول أضاف" الاضافات الموجودة الآن حصلت للفرقة القومية "الأصل" بإضافة آلات وتنويع في الموسيقى، وكانت البالمبو مؤهلة لتقديم إبداعي حقيقي لكن ذلك لم يحدث، ومن المفترض ان يتم تطوير الفرقة القومية لأنها تمثل البلد.
لماذا لا تتعامل الاجيال الجديدة مع الآلات التراثية ؟
نحن لسنا ضد العولمة، لكن الآلات الغربية لها اسيادها ولا نستطيع ان ننافس أهلها الاصليين، ولاسبيل لنا للتفوق ولفت انتباه العالم، إلا من خلال آلاتنا الشعبية. ولا أرى مانعاً في ادخال الدلوكة والدنقر ومعظم الآلات الشعبية ضمن الاوركسترا، بدل الدرام ممكن يدخل النحاس وهكذا. وفي الواقع أن تقليد الآخرين هو الذي يجعل كثيرا من العازفين والموسيقيين يعملون الآلات التراثية وينبهرون بآلات الغرب.
*من هن اشهر عازفات الدلوكة في بلادنا ؟
كثيرات منهن حواء الطقطاقة، وحميراء وحواء بنزين، وقسمة ونصرة وسمية حسين اشتغلت كثيراً بغناء الدلوكة، واسمع الآن عن إنصاف مدني من خلال الصحف.
وأنا قدمت العديد من المحاضرات عن الدلوكة وذلك في محاولة جادة للتعريف بهذه الآلة وغيرها، وأعتقد أن وجود مهرجانات للآلات الشعبية – كما حدث مؤخراً من اليونسكو – يساهم في التعريف بهذه الآلات وتعميقها في وجدان الناس.
وأخيراً أوصي على الموسيقيات وأطالب بإعادة تكوين الفرقة النسوية لأنها تقوم بدور كبير على المستويين الاجتماعي والابداعي وأطالب بالمحافظة على الدلوكة باعتبارها من التراث السوداني ولها تأثير كبير في وجدان الناس.
حوار : صلاح الدين مصطفي
صحيفة السوداني