من وحي السقم

- رسائل موجهة إلى المريض- بقلم / شيخة القاسم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: يبتلي الله عباده بصنوف من البلاء لحكم عظيمة ،فهو عليم بأحوال عباده، حكيم فيما يقضيه ويقدره(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون). وقد قدر الله عليّ إجراء عملية دقيقة أحببتُ-أيها القارئ-أن أوصل إليك قصتي (مع العملية)ممزوجة بالدروس والعبر... والله يعلم أنّي أقدم رجلاً وأأُخر أخرى؛ هل أنشرها؟ وهل في نشرها فائدة مرجوة لي ولك. وهل..؟
قال ابن القيم :أجمع العارفون على أن التوفيق أن لايكلك ربك إلى نفسك وأجمعوا على أن الخدلان أن يخلي بينك وبين نفسك. فاستخرت ربي،وهاهي بين يديك (من وحي السقم..دروس وعبر)
أيها القارئ: لست أشكو هنا ما أصابني من ربي إليك! فمعاذ الله أن أشكو رب السماء إلى مربوب الأرض... ولست أستدر الرحمة والشفقة منك فالرحيم سبحانه قد دثرني برحمته.. إنما هي خلجات مكلوم أراد أن ينفع غيره والدنيا دروس والأيام دول فخذ العبرة من غيرك
ـ تغريداتي قبل العملية: كانت تغريداتي الأخيرة عن حسن الظن بالله واللجوء إليه وتعلق القلب به،وكنت أجد فيها سلوى لنفسي وعزاء لقلبي خاصة أني أتنقل من طبيب لآخر حتى يسر الله أمري عند جراح ماهر. فمن كان منكم(لماحاً)أدرك أن وراء هذه التغريدات سراً،منها: ••
1ـ لاتيأسيوم تبدل الأرض غير الأرض) القادر على تبديل الأرض يوم القيامة قادر على تبديل حال العبد من هم إلى فرج ومن مرض إلى صحة ومن حزن إلى فرح
••قال سفيان:مايكرهه المرء خير له مما يحب،لأن مايكرهه يهيجه للدعاء ومايحبه يلهيه.
2ـ فضل الأخوة في الله: أدركت في هذه المحنة فضل الأخوة في الله،فقد عاش جمع من الأخوات الصالحات معي همّ العملية خاصة أنها تأجلت مرتان.. فقد كنّ يلهجن بالدعاء والسؤال أسأل الله أن أكون وإياهن ممن قال الله فيهم (وجبت محبتي للمتحابين فيّ)
ـ ليلة العملية: لم يطرق النوم عيني وأنى له ذلك؟! آه! ما أطول الليل على من لم ينم.. تلك الليلة.. تذكّرُك بالقدوم غداً على ربك. استعرضت بسرعة شريط حياتي ياترى ماذا قدمت لآخرتي؟! كيف سألقى ربي؟! اللهم إني تبت إليك من جميع الذنوب اللهم أحسن خاتمتي اللهم يسر أموري..
ـ في الطريق إلى غرفة العمليات: في الساعة(٧)صباحاً تقريباً.. لبست ملابس العملية ممرضتان تقوداني بسريري إلى غرفة العمليات.. شدني حديثهما عن مريضة أصرت أن تلبس فوق ملابس العملية عباءتها وغطاءها حتى وصلت إلى غرفة العمليات..
في الطريق.. تواردت عليّ كثير من الخواطر والأفكار.. تذكرت حقارة الدنيا وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة.. (يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم) أغرّك حلمه وستره؟! تؤخر الصلاة تعق والديك تغتاب تكذب تظلم تبطش آه ثم آه ما أضعفك أيها الإنسان! مهما بلغت قوتك فأنت ضعيف..
في الطريق إلى غرفة العمليات.. عشت صراعاً داخل نفسي أتاني هاجس شيطاني:إن فشلت العملية ف... ثم أطرده بهاجس إيماني:لا ،أنا استخرت ربي ولن يخذلني..
في الطريق إلى غرفة العمليات... تذكرت أحدى قريباتي كبيرة في السن محتشمة متسترة لم يرى الرجال وجهها قط إلا في غرفة العمليات.. تقول لي:لما كشفوا اللحاف عن وجهي رأيت الأطباء فقلت:سبحان الله والحمد لله ولاإله إلا الله والله أكبر أقول ماقالت مريم(ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً)شقّ عليها لحيائها أن يراها الرجال ولو في حالة الاضطرار!!
في الطريق إلى غرفة العمليات.. تذكرتُ القدوم على ربي!! ياالله! رحمتك وسعت كل شيء فارحمني
الآن أدخلت غرفة العمليات.. ماأشبهها ب(الفريزر) نطقت بالشهادة.. قال صلى الله عليه وسلم(إلزموا لاإله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها) ثم غبت عن الوعي...
ـ في غرفة الإفاقة: فتحت عيناي.. الرباط الطبي يحيط بعنقي الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات انتهت العملية ولم أحس بمشرط الطبيب البنج نعمة! دفعتني الممرضة بسريري إلى غرفتي.
ـ في غرفتي: وصلت إليها الساعة(٣)عصراً كان في الغرفة بعض الأهل حمدوا الله على سلامتي وأرادوا إدخال السرور على قلبي قالوا: الكثير يدعو لك من المشايخ والداعيات عبر وسائل الاتصال (تويتر..) وقت إجراء العملية.. أجهشت بالبكاء.. لعلها أصابتني بركة دعواتهم اللهم أبسط لهم من خزائن رحمتك في دنياهم وأخراهم.
ـ حديث نبوي كأني لم أسمع به إلا الساعة: أورد لي أحد المقربين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (مايصيب المسلم من وصب ولا نصب ولاهم ولاغم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) سبحان الله! أحفظ هذا الحديث منذ صغري لكن كأني لم أسمع به إلا الساعة! ما أعظمه من حديث.. له طعم ولذة له أنس على الروح في حالتي هذه.. الحمد لله! استشعرت بفضل الله أن إبرة المغذي التي في يدي اليمني،وإبرة المهديء التي في يدي اليسرى(قياساً على الشوكة) كفارة-بإذن الله- لخطاياي. مرّ على خاطري:ياترى بماذا يتعزى الكافر إذا أصابه بلاء؟! (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون) الحمد لله على نعمة الإسلام.. الحمد لله كم في طيات المحن من منح كم في طيات البلايا من عطايا
ـ حقيقة الدنيا: وأنا على(السرير الأبيض)... تفكرت في ضعف الإنسان وقوة ربه في ذله وعظمة مولاه تفكرت في حالنا! في اللهث وراء الدنيا مع علمنا بأننا سنغادرها يوماً ما.. قال ابن القيم: الدنيا لا تساوي نقل قدمك إليها فكيف تعدو خلفها. ••أيها المفرط في الطاعة: إعلم أن من رحمة ربك بك أنه حذرك نفسه(ويحذركم الله نفسه) ومن رحمة نبيك صلى الله عليه وسلم بك أنه أوصاك(اغتنم خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك، حياتك قبل موتك..) إنّ اللحظة الفارقة بين حياتك وموتك: أن تقف دقات قلبك.. قال ابن القيم: كونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن الولد يتبع الأم. ••أيها المطيع لله: تزود من الطاعات، فقد كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم في مثل عمل الأمس. تنبيه: لاتفهم-أيها القارئ- من حديثي السابق أن تترك الدنيا وراء ظهرك وتتبتل بالعبادة بل كما قال ربك(ولاتنس نصيبك من الدنيا) فكل ما شئت وألبس ما شئت واسكن حيث شئت ما دمت في دائرة الحلال فالدنيا حلوة بطاعة ربك.
ـ الطبيب يكتب لي الخروج من المستشفى:
زارني الطبيب الجراح-وقد كان نعم الطبيب الناصح-،وأعطاني بعض التعليمات وكتب لي الخروج من المستشفى. ونحن نستعد للخروج.. تذكرت والدي -رحمه الله-ينشد بيتاً إذا هممنا بالرجوع من رحلة برية إلى منزلنا: هكذا نحن نزلنا وارتحلنا وهكذا الدنيا نزولاً وارتحالاً دعوتُ ربي: اللهم اجعل هذا المكان شاهداً لي لا عليّ.
ـ الخروج من المستشفى: خرجت بعد أن أمضيت(١٠)أيام في المستشفى.. خرجت وكأني ولدت من جديد ما أجمل الحرية والانطلاقة في أرض الله خرجت.. أستنشق الهواء الطلق ودفء الشمس يلامس بدني.. أحسست بالفرح رغم تعب جسمي ولكن كدّر صفو هذا الفرح منظر...!
ـ شاب مريض يدخن: التفت يسرة فإذا شاب مريض مقعد يجلس على عربة قد خرج(يتشمس) يدخن بشراهة!! آه ما أقرب المسلم من ربه إذا أُبتلي.. اللهم إنّا نعوذ بك من قسوة القلوب (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم) اللهم رده إليك رداً جميلاً.
ـ في بيتي: رجعت بفضل الله إلى بيتي.. زارني جمع من القريبات والأخوات الفاضلات، لا حرم الله الجميع من فضل زيارة المريض والأخوة في الله.
اعجبني الموضوع أردت ان تعم الفائدة وعافاكم الله جميعا من المرض ومتعكم بالصحة والعافية ودعواتكم لي وتحياتي ...أسامة